سورة الفرقان - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الفرقان)


        


{وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا (41) إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آَلِهَتِنَا لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا (42)}
{إِن} الأولى نافية، والثانية مخففة من الثقيلة. واللام هي الفارقة بينهما. واتخذه هزواً: في معنى استهزأ به، والأصل: اتخذه موضع هزؤ، أو مهزوءاً به {أهذا} محكى بعد القول المضمر. وهذا استصغار، و{بَعَثَ الله رَسُولاً} وإخراجه في معرض التسليم والإقرار، وهم على غاية الجحود والإنكار سخرية واستهزاء، ولو لم يستهزؤا لقالوا: أهذا الذي زعم أو ادّعى أنه مبعوث من عند الله رسولاً،. وقولهم: {إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا} دليل على فرط مجاهدة رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعوتهم، وبذله قصارى الوسع والطاقة في استعطافهم، مع عرض الآيات والمعجزات عليهم حتى شارفوا بزعمهم أن يتركوا دينهم إلى دين الإسلام، لولا فرط لجاجهم واستمساكهم بعبادة آلهتهم، و{لَوْلاَ} في مثل هذالكلام جار من حيث المعنى- لا من حيث الصنعة- مجرى التقييد للحكم المطلق {وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} وعيد ودلالة على أنهم لا يفوتونه وإن طالت مدّة الإمهال، ولا بدّ للوعيد أن يلحقهم فلا يغرّنهم التأخير. وقوله: {مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً} كالجواب عن قولهم {إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا} لأنه نسبة لرسول الله إلى الضلال من حيث لا يضلّ غيره إلاّ من هو ضال في نفسه. ويروي أنه من قول أبي جهل لعنه الله.


{أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا (43)}
من كان في طاعة الهوى في دينه يتبعه في كل ما يأتي ويذر لا يتبصر دليلاً ولا يصغي إلى برهان. فهو عابد هواه وجاعله آلهة، فيقول لرسوله هذا الذي لا يرى معبوداً إلاّ هواه كيف تستطيع أن تدعوه إلى الهدى أفتتوكل عليه وتجبره على الإسلام وتقول لابد أن تسلم شئت أو أبيت- ولا إكراه في الدين؟ وهذا كقوله: {وَمَا أَنتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ} [ق: 45]، {لَّسْتَ عَلَيْهِم بمسيطر} [الغاشية: 22] ويروى أنّ الرجل منهم كن يعبد الحجر، فإذا رأى أحسن منه رمى به وأخذ آخر. ومنهم الحارث بن قيس السهمي.


{أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (44)}
أم هذه منقطعة، معناه: بل أتحسب كأن هذه المذمة أشدّ من التي تقدّمتها حتى حقت بالإضراب عنها إليها وهي كونهم مسلوبي الأسماع والعقول، لأنهم لا يلقون إلى استماع الحق أذناً ولا إلى تدبره عقلاً، ومشبهين بالأنعام التي هي مثل في الغفلة والضلال، ثم أرجح ضلالة منها.
فإن قلت: لم أخر هواه والأصل قولك: اتخذ الهوى إلها؟ قلت: ما هو إلاّ تقديم المفعول الثاني على الأوّل للعناية، كما تقول: علمت منطلقاً زيداً؛ لفضل عنايتك بالمنطلق.
فإن قلت: ما معنى ذكر الأكثر؟ قلت: كان فيهم من لم يصدّه عن الإسلام إلاّ داء واحد: وهو حب الرياسة، وكفى به داء عضالاً.
فإن قلت: كيف جُعلوا أضلّ من الإنعام؟ قلت: لأن الأنعام تنقاد لأربابها التي تعلفها وتتعهدها، وتعرف من يحسن إليها ممن يسيء إليها، وتطلب ما ينفعها وتجتنب ما يضرّها (وتهتدي لمراعيها ومشاربها). وهؤلاء لا ينقادون لربهم، ولا يعرفون إحسانه إليهم من إساءة الشيطان الذي هو عدوّهم، ولا يطلبون الثواب الذي هو أعظم المنافع، ولا يتقون العقاب الذي هو أشدّ المضارّ والمهالك، ولا يهتدون للحق الذي هو المشرع الهنيّ والعذب الروي.

6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13